تارودانت.. “جنان السرغيني” بحي بلاقشاش: آخر حصون الطبيعة والشاهد عليها

تارودانت.. “جنان السرغيني” بحي بلاقشاش: آخر حصون الطبيعة والشاهد عليها

بينما يجتاح البنيان شمال مدينة تارودانت وجنوبها وشرقها وغربها، يظل ما يُعرف عند عامة الساكنة بـ”بلاقشاش” و”المعديات”، وتارودانت عموماً، بـ”جنان السرغيني” صامداً في وجه الزحف الإسمنتي. يقاوم هذا الجنان البنايات المحيطة به، في محاولة ناجحة للحد من امتدادها داخل رقعته.

وإن كان اقتطاع جزء منه لفائدة بناء مدرسة يُعتبر ضرورة ملحة، فإن ذلك يعود إلى سوء التخطيط الذي أفرز تجزئات سكنية منعدمة الخدمات، وأحياء هامشية على حساب الحقول القديمة مثل “تامزطاوط”، “المعديات”، و”مولات الناس”. ورغم ذلك، لا يزال “الجنان” يحتفظ بأشجار زيتون تقاوم العطش، وكروم ورمان تهاجمها الشيخوخة بسبب ضعف الإمداد بمياه السقي، الناتج عن غياب التخطيط ومشاكل أخرى بنيوية.

في ظل الأزمة الخانقة التي تعيشها المدينة في الفضاءات الخضراء، أليس من الأجدر أن تكون هناك خطة لدعم مثل هذه “الجنانات” بمياه السقي بأسعار تشجيعية؟ لتظل متنفساً للساكنة، ومرتعاً للأطفال الذين تمتد أياديهم لحبات التين بسخاء أصحاب الحقول، كما اعتدنا منذ الطفولة.

“جنان السرغيني” تحديداً شكّل ذاكرة حي بلاقشاش والمعديات، بأشجاره المثمرة وخضرته الدائمة. وكان الحاج السرغيني يعتني به رغم التزاماته المتعددة، فكان مثالاً لصيانة الأرض والذاكرة.

صحيح أن مطلب التوسع العمراني مطلب واقعي، تمليه الهجرات المتزايدة من القرى ومدن الجنوب نحو تارودانت، لما لها من موقع جغرافي واقتصادي جاذب. لكن لا يجب أن يأتي ذلك على حساب الإرث الطبيعي. بل يجب دعمه، خصوصاً عندما يكون أهله خداماً له، يعتنون به رغم التحديات.

إنهم يقدمون خدمة جليلة لا يدركها إلا من عرف قيمة الفضاءات الخضراء، أو عانى من الاختناق وتلوث الهواء بفعل الاحترار ودخان السيارات والمصانع. لكننا – بحكم الأعراف أو الجهل أو الحسد – قد نرى في هذه الحقول عرقلة للتنمية، وفي أصحابها إقطاعيين، مع أنهم يضحّون من أجل الحفاظ على تراث المدينة البيئي.

بقلم: منير المنيري / أستاذ وفاعل جمعوي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة