افتتحت جمعية مجالس للتنمية والثقافة، بمدينة أولاد برحيل إقليم تارودانت، أنشطتها الثقافية للسنة الجديدة 2022، بمجلسها الفكري الثاني، منذ تأسيسها، والذي نظمته لجنة “مجالس فكرية”، التابعة لها، يوم الأحد 02 يناير 2022.
وقد انطلقت أشغال المجلس الذي اختار مناقشة موضوع «الآثار النفسية لجائحة كورونا على الإنسان»، على الساعة الثالثةِ وثلاثٍ وأربعين دقيقةً، بإحدى قاعة مكتبة ابن تومرت، بالمركب الثقافي، إذ افتتحه مسيِّرُهُ الأستاذ سليمان محمود بتقديمٍ عامٍّ حول موضوع النقاش، وسياقِه، وأسبابِ اختيار الجمعية له، واضعاً أرضيةً عامةً، أشار فيها إلى ما خلفتْه جائحةُ كورونا من ندوبٍ يصعبُ أن تندمل، وجروح تحتاج لعلاج لتُشفى، مذكّراً ببعض أسباب ذلك باقتضابٍ، من قبيل البقاء طويلا في المنازل، فترة الحجر الصحي، الجزئي منه والكلي، وفقدان الكثير من الأحباب، والحرمان من دفنهم، وحضور جنائزهم، وتلقي التعازي من الناس، والخوف الشديد من الآخر الذي بات يشكل خطراً، مهما كان من أقاربنا، وممن نحب، ويجمعنا بهم سقف واحد، أو قلبٌ أوحد، ناهيك عن فقدان العمل، والحرمان من السفر، وتوقف مظاهر البهجة والفرح؛ من مهرجانات، وتظاهرات فنية وثقافية، ومواسم واحتفاليات، وغيرها. ثم حدد -بعدها- المحاور الأساسية التي سيتناولها المجلس الفكري، في مقاربته لهذا الموضوع، ذاكراً أن الجمعية لم تنظِّم النشاط لتقدِّم إجابات، بقدر ما تودُّ فتح مجال لطرح الأسئلة، وتبادل وجهات النظر، وأن معدِّي المحاور الثلاثة سيقدِّمُون أرضية لفتح النقاش أمام التلاميذ والطلبة، والأساتذة الذين يزيد عددهم عن الأربعين ممن حضرَ هذا المجلسَ.
وانتقل، بعد تلك التوضيحات، إلى المحور الأول الذي خُصِّصَ لـ”تشخيص آثار كورونا على الإنسان”، سواء في العالم كلِّه، أم في المغرب بشكل خاص، فأورد صاحب المداخلة، الأستاذ مصطفى بولهريس معطياتٍ وأرقاماً وإحصائياتٍ مبنية على دراسات رسمية، أعدتها منظمة الصحة العالمية، والمندوبية السامية للتخطيط المغربية، بيَّن -من خلالها- الأوضاع النفسية المخيفةَ التي بلغها الإنسان، في زمن كورونا، وما يُعرِّضُ صحته النفسية للخطر، فتحدَّث عن حالات الخوف والهلع التي أصابت الناس، ودوافعها، وأوجهها؛ ذاكرا منها الخوف من الإصابة بالفيروس، أو نقله لذوي القربى وفقدِهم، والخوف من فقدان العمل، وغيرها. كما تحدث عن حالات الانتحار التي ازدادت أرقامها في عام كورونا، وما بعده، وأورد أرقاماً عن ارتفاع إقبال المغاربة على شراء الأدوية النفسية في السنوات الثلاث الأخيرة، مستندا إلى إحصائيات لوزارة الصحة.
ثم فُتِح المجال للحاضرات والحاضرين لتقاسم تجاربهم الشخصية مع الفيروس، وما خلفه في نفوسهم من آثار وجروح، أو أمل وطموح، وما سجلوه من ملاحظات في هذا الشأن، حول محيطهم الاجتماعي.
وفي المحور الثاني، من هذا المجلس الفكري، تحدث الأستاذ عبد الباسط العلوي عن “الآثار الاجتماعية لجائحة كورونا على “مجتمع الهامش”: أولاد برحيل نموذجاً”، وبدأ حديثَه بأمثلة تُبرِز هشاشة إنسان الهامش الاقتصادية والاجتماعية، ثم استنتج منها كيف أن كوفيد-19 قد كشف همجية الرأسمالية، ووجهها الامبرياليَّ، بتعبيره، والذي التهم القيَمَ المؤسِّسَة للهامش، مُنبِّهاً إلى أن مفهوم الهامش هذا مطاطيٌّ، يصعب الجزمُ به، أو محاكمتُه. كما أكَّدَ، في ورقته، أن الفيروش كشف -أيضاً-، هشاشة التكتلات العالمية، ممثِّلا بالاتحاد الأوربي، وفضحَ ضعف الأنماط الاقتصادية التقليدية غير المُهيكَلة التي لا تُقدِّم أدنى حماية للبسطاء والكادحين الذين يشكلون غالبية مجتمعاتنا، وفضحت -كذلك- هشاشة البنية الاجتماعية، وعولمةَ السوقِ، وأزالت الستار عن استبداد الأنظمة السياسية، وقمعها للحريات الفردية والجماعية، باسم الأمن الصحي، وأحرج الفيروس، حسب المتحدث، مفهوم الديمقراطية.
وأثارت هذه الأرضية المجالسيات والمجالسيين، بين من اختلف مع صاحبها، ومن وافقه الرأي في أمورٍ؛ فتحدث بعضهم على كون الجائحة قد كشفت عجز الأنظمة السياسية، حتى تلك المتقدمة، عن تحقيق الرفاهية والسعادة للإنسان، في مستويات مختلفة، سياسية واقتصادية واجتماعية، وذُكِرَ أن كورونا بيَّن أن “الدولة الاجتماعية” مجرد شعارات، بالنظر إلى معاناة ملايين العمال والفقراء في العالم، بسبب ضعف الاهتمام بها، والذي انكشف مع اختبار الطبيعة، حسب رأي المتدخلين.
وذكر آخرون أن المقاربة السيكولوجية، والسوسيولوجية لهذا الفيروس المستجَدِّ، وآثاره لا يقل أهمية عن المقاربة الطبية/العلمية الخالصة.
وفي المحور الثالث، عُرِض ربورتاج إعلاميٌّ لقناة عالمية، سلَّطَ الضوءَ على جُلِّ ما تناوله النقاش في المحوريْن السابقيْن، مضيفاً معلومات أخرى، فاتحةٍ لأسئلة جديدةٍ، ترك المسيِّر الحاضرات والحاضرين للحديث بحرية عما يبدو لهم، في مقاربتهم لها، ومحاولة إجابتهم عنها، بعد أن أورد معطيات عن احتفاء منظمة الصحة العالمية باليوم العالمي للصحة النفسية الذي يصادف 10 أكتوبر، لسنة 2021، تحت شعار «الرعاية الصحية النفسية للجميع: لنجعل هذا الشعار واقعاً»، مورداً ما نشرته المنظمة حول المتأثرين بشكل خاص من جائحة كورونا، فحصل أن كان أحد الذين واجهوا الفيروس في الصفوف الأمامية حاضراً في المجلس، فشارك الجميعَ تجربتَه في مواجهة مخاطر كوفيد-19، في أولاد برحيل، كما تحدث عن أهمية اللقاح، وضرورته، وعدم الخوف منه، لسلامته من الناحية العلمية، حسب تعبيره.
وعرَض مسيِّر المجلس، الأستاذ محمود، ما سجَّلَه من مشاركة الجميع في أثناء النقاش، من “توصيات عملية”، شكلت المحور الأخير من النقاش، ويمكن بها التغلب على ما خلفته الجائحة من أعطاب وجروح على نفسية الناس. وهي توصياتٌ قابلة للأجرأة، وعدت الجمعية بدراستها، ومحاولة تنزيلها ضمن برنامج عملها، في كلمة رئيس الجمعية، الأستاذ محمد فقهي، الذي ختَم المجلس الفكريَّ الأول بالترحيب بالشباب للانخراط في مشروع جمعية مجالس للتنمية والثقافة الرامي للنهوض بالوضع الفكريِّ، والشأن الثقافي في المدينة، بالتعاون مع باقي الفاعلين فيها.
وخُتِمَ هذا المجلسُ على الساعة السادسة وإحدى وثلاثين دقيقةً، كما كان مُسطَّراً.