مشروع إحداث المنطقة الصناعية بتارودانت.. بين حلم التنمية وشكوك اللحظة الانتخابية

مشروع إحداث المنطقة الصناعية بتارودانت.. بين حلم التنمية وشكوك اللحظة الانتخابية
بقلم: خالد أنبيري

في لحظة سياسية محمّلة بالتساؤلات، ووسط صمت طويل امتد لسنوات من الغياب، عاد اسم عبد اللطيف وهبي، رئيس جماعة تارودانت، إلى الواجهة من بوابة مشروع اقتصادي طموح، إحداث منطقة صناعية مستدامة بمدينة تارودانت، تم التوقيع على اتفاقيته أمس الثلاثاء 27 ماي 2025 بالرباط، بحضور وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، وبمشاركة عدد من الشركاء المؤسساتيين والاقتصاديين، وعلى رأسهم تعاونية “كوباك”.

المشروع، الذي يمتد على مساحة 39 هكتار بمنطقة لسطاح، يحظى باستثمار إجمالي يفوق 114 مليون درهم، منها 30 مليون درهم ممولة من صندوق المناطق الصناعية المستدامة (FONZID)، وهو جزء من رؤية وطنية شاملة، إذ تم اختيار مدينة تارودانت ضمن خمس مدن مغربية في إطار النسخة الثانية من برنامج “FONZID”، الذي يسعى إلى إحداث مناطق صناعية مستدامة وتطوير نموذج اقتصادي إنتاجي صديق للبيئة.

لكن، وبين دفء التوقيع الرسمي، وبرودة الشارع المتشكك، يُطرح سؤال جوهري نفسه بقوة، هل نحن أمام مشروع فعلي قابل للتنفيذ في المدى القريب؟ أم أنه مجرد عنوان انتخابي جديد يُستثمر في اللحظات الأخيرة من عمر الولاية؟

الغياب الطويل والحضور المفاجئ

عبد اللطيف وهبي، رئيس جماعة تارودانت، غاب بشكل شبه كلي عن المشهد المحلي خلال السنوات الماضية، ما فتح باب التأويلات حول مدى التزامه الفعلي بتنمية المدينة، واليوم، يأتي توقيعه على مشروع بهذه الأهمية في توقيت حساس سياسياً، ما يطرح شكوكاً مشروعة حول الخلفيات والدوافع.

الشارع المحلي، وهو الأدرى بمعاناة الواقع، لم ينسَ سنوات الجمود التي طبعت المجلس الجماعي، ولا تلك الملفات التنموية التي بقيت حبيسة الرفوف، (اتفاقية سياسة المدينة)، وهذا يجعل من أي تحرك مفاجئ، ولو كان في ظاهره مبشراً، محاطاً بأسئلة الثقة والمصداقية.

بين الأمل والاستغلال

لا أحد ينكر أهمية المشروع من حيث تحفيز الاستثمار وخلق فرص الشغل وتحسين البنية الاقتصادية للمدينة، لكن التنفيذ الحقيقي على الأرض هو المعيار الوحيد الذي يمكنه أن يحول الوعد إلى منجز، والكلام إلى واقع.

وما يزيد من تعقيد القراءة أن المشروع، رغم كونه جزءًا من سياسة وطنية أوسع، يبقى رهيناً بإرادة محلية فعالة وقدرة جماعية على مواكبة التنفيذ، وهنا بالضبط يُطرح التساؤل، هل تمتلك جماعة تارودانت، في ظل تجربتها الحالية، الكفاءة والرؤية لتدبير مشروع بهذه الأهمية؟ أم أن الأمور ستُترك، كغيرها، لمبدأ “وقِّع وانسَ”؟

الحاجة إلى الشفافية والمتابعة 

إن الجهات المعنية، من وزارة الصناعة إلى جماعة تارودانت، إذا أرادت أن تقنع الرأي العام بجدية هذا المشروع، فإن أول خطوة يجب أن تقوم بها هي توفير معطيات دقيقة حول أجندة التنفيذ، وضمان آليات للمتابعة والتقييم والمحاسبة.

لا يكفي التوقيع على اتفاقية، ولا التقاط الصور الرسمية، لأن ما يحتاجه المواطن هو أجوبة ملموسة، من قبيل متى ستنطلق الأشغال فعلياً؟ من يتولى التنفيذ والمراقبة؟ ما طبيعة التكوينات أو البرامج المواكبة لتمكين الشباب من فرص الشغل؟ وما مدى انخراط ساكنة تارودانت في هذا التحول المرتقب؟

إن مشروع إحداث المنطقة الصناعية المستدامة بتارودانت يحمل في طياته وعداً حقيقياً بالخروج من دائرة التهميش الاقتصادي، لكنه في الآن ذاته، يقف على مفترق طرق، إما أن يكون انطلاقة فعلية نحو مستقبل تنموي جديد، أو يتحول إلى قصة أخرى من وعود السياسة التي تُروى مع كل اقتراب انتخابي وتُنسى بعدها بسنوات.

وما بين الحلم والواقع، تبقى أعين ساكنة تارودانت مفتوحة، تنتظر أن ترى الفعل لا التصريحات، والتنمية لا الدعاية.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة