تختزن “الدرازة”، وهي حرفة يدوية يزاولها أهل تارودانت منذ مئات السنين، عدة أشكال إبداعية من صناعات النسيج التقليدية، التي تقاوم الا ندثار، وهي حرفة تعتمد أساسا على حياكة الصوف.
وتتميز مدينة تارودانت ﺑمؤهلات ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻭ ﺑﺸﺮﻳﺔ ﺟﻌﻠﺖ منها أﺭضا ﺧﺼﺒﺔ ظهرت فيها ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﻑ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ، ﺃﺑﺮﺯﻫﺎ، حياكة ﺍﻟﺼﻮﻑ ﺃﻭ “ﺍﻟﺪﺭﺍﺯﺓ”، ﻭ ﺫﻟﻚ بالنظر إلى تضاريسها ﻭمناخها ﺍللذين ساعدا على توفر المدينة ونواحيها على المواد الأولية والحيوانية التي ساهمت في ظهور مثل هذه الحرف.
ﻭﺑﻤﺎ ﺃﻥ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﺍﻟﻨﺴﻴﺞ ﺗﺮﺗﻜﺰ ﺃﺳﺎﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﻭﻓﺮﺓ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍﻷ ﻭﻟﻴﺔ، ﺃﻱ ﺍﻟﺼﻮﻑ، ﻭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻮﺍﺟﺪ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ تارودانت والنواحي ﺑﺸﻜﻞ ﻭﺍﻓﺮ، فإن “ﺍﻟﺪﺭﺍﺯﺓ” كحرفة امتهنتها العديد من الأفراد، إذ ساهمت في إﻋﺎﻟﺔ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ الأ ﺳﺮ.
وحرفة ﺍﻟﺪﺭﺍﺯﺓ، ﻟﻴست ﻛﻜﻞ ﺍﻟﺤﺮﻑ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺍﻻ ﺧﺮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺰﻭﻝ ﺑﺰﻭﺍﻝ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ، ﺑﻞ هي حرفة ﺣﺎﻓظت على ﺗﻤﻴﺰها ﻭطبعت ﻫﻮﻳﺔ ﻣﺪﻳﻨﺔ تارودانت، بل هي ﻋﻨﺼﺮ ﻣﻤﻴﺰ ﻟﻬﺎ ﻭ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺣﻀﺎﺭﻱ ﻭﺟﻤﺎﻟﻲ ﻋﻦ ﺃﺻﺎﻟﺔ ﻭ ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻓﻬﻲ ﺣﺮﻓﺔ ﺫﺍﺕ ﺍﻣﺘﺪﺍﺩ تاريخي، إذ توارثتها الأجيال، ﻭﺻﺎﺭﺕ أﺣﺪ ﻣﻜﻮﻧﺎﺕ ﺍﻟموروث الثقافي المحلي.
ومن الحرف المتفرعة عن الدرازة نجد غزل الصوف والمواد الأولية المختلفة ونسيج الزرابي ونساج “الحايك والخرقات المختلفة” ونساج الحنبل ونساج الحنديرة وصباغ الصوف والمواد الأخرى وصباغ الخيوط وخياط البدلة وخياط الأفرشة وخياط الجلباب وخياط القفطان وخياط الجبادور.
المعلم عبد الحق الكريرة، أحد الحرفيين في فن الدرازة، المشتغلين داخل المركب المندمج للصناعة التقليدية بتارودانت، يقول في تصريح للقناة الإخبارية M24 التابعة لوكالة المغرب العربي للأنباء، “بدأت حرفة آبائنا وأجدادنا تفقد بريقها اليوم، وبدأ الجيل الصاعد يدير ظهره لهذه الحرفة، بسبب التحولات التي يعرفها المجتمع في وقتنا الحالي، ونتطلع اليوم إلى إعادة الاعتبار لهذه الحرفة، حتى تحافظ على كينونتها وجودتها التي تميز الحرفي الروداني”.
ويروي الكريرة، أن عملية الدرز تبتدئ من وضع ﺍﻟﺨﻴﻮﻁ ﺍﻟﻤﺘﻤﺎﺳﻜﺔ ﻋﻠﻰ “ﺍﻟﻤﻜﺒﺔ” وهي عبارة عن عجلة مثبتة على محور ﻳﺴﻬﻞ ﺩﻭﺭﺍﻧﻬﺎ ﺣﺴﺐ ﺇﺭﺍﺩﺓ “ﺍﻟﺪﺭﺍﺯ”، وتوضع ﻗﻄﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺼﺐ ﺍﻟﺮﻗﻴﻖ ﺍﻟﻔﺎﺭﻍ دﺍﺧﻞ العجلة، ﻳﺴﻤﻰ “ﺍﻟﺠﻌﺎﺏ” ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻐﺰﻝ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪﻱ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻭﺭ ﻓﻲ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ بسرعات مختلفة.
وأشار إلى أن المرحلة الثانية من العملية وهي “ﺍﻟﻤﺮﻣﻰ”، ﻓﻴﺄﺧﺬ ﺍﻟﻤﻌﻠﻢ “ﺍﻟﻨﺰﻕ” أﻭ “ﺍﻟﻤﻜﻮﻙ ﺍﻟﻄﺎﺋﺮ”، ﻭﻳﻘﻮﻡ ﺑﺈﺩﺧﺎﻝ “ﺍﻟﺠﻌﺒﺔ” ﻓﻲ “ﺍﻟﻌﻮﺩ” ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﺑﺪﺍﺧﻠﻪ ﻭﻳﻮﺍﺻﻞ ﺍﻟﻤﻌﻠﻢ ﻋﻤﻠﻴﺔ “ﺍﻟﻌﺼﺮﺓ” ﻫﺬﻩ ﺍﻷ ﺧﻴﺮﺓ ﺗﻔﺴﺢ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﻟﺘﺪﺍﻭﻝ “ﺍﻟﻤﻜﻮﻙ ﺍﻟﻄﺎﺋﺮ” ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺘﺨﺪﻡ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻤﻌﻠﻢ “ﺍﻟﺪﻑ” ﺑﻴﺪﻳﻪ ﻟﻀﻢ ﺧﻴﻮﻁ ﺍﻟﺼﻮﻑ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺛﻢ ﻳﻐﻴﺮ ﻓﺘﺤﺎﺕ ﺧﻴﻮﻁ ﺍﻟﺴﺪﺍ ﺑﺠﻬﺎﺯ ﻳﺪﻭﺭ ﺑﺎﻷ ﺭﺟﻞ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﻓﺮﺍﻣﻞ ﺛﻢ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻳﺮﺳﻞ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻢ “ﺍﻟﻨﺰﻕ” ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻌﻠﻢ، ﻭﺧﻴﻮﻁ “ﺍﻟﺴﺪﺍ” ﺗﻌﻤﻞ ﺣﺴﺐ ﺍﻟﻘﻦ ﺍﻷ ﺗﻲ (ﻓﻮﻕ-ﺗﺤﺖ)، ﻓﻴﻐﻴﺮ ﺍﻟﻤﻌﻠﻢ ﺍﻟﺨﻴﻮﻁ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻮﻕ ﺑﺎﻟﺠﻬﺎﺯ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻳﺮﻩ ﺑﺮﺟﻠﻪ ﻓﺘﺼﺒﺢ ﺗﺤﺚ.
ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻈﻞ ﺍﻟﻤﻌﻠﻢ ﻭ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻢ ﺍﻟﻰ ﺣﻴﻦ ﺇﻧﻬﺎﺀ ﺛﻼ ﺙ ﺃﻣﺘﺎﺭ ﺃﻱ “ﺳﺘﺔ ﺍﺩﺭﻉ” ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻮﺏ ﺍﻟﺼﻮﻓﻲ، ﻟﻴﻘﻮﻣﺎﻥ ﺑﻄﻴﻬﺎ ﻣﺴﺘﻐﻼ ﻥ ﺑﺬﻟﻚ “ﻗﺎﻟﺐ ﺍﻟﻄﻲ” ﺍﻭ “ﺍﻟﻤﻄﻮﻯ”.
سمير الشهب، نائب رئيس غرفة الصناعة التقليدية بجهة سوس ماسة، قال في تصريح مماثل، أن حرفة ﺍﻟﺪﺭﺍﺯﺓ بمدينة تارودانت، مهددة بالإندثار، لهذا نشتغل مع الصناع من أجل تطوير المنتوج والرفع من جودته وتجديد التصميم للاستجابة لمتطلبات السوق.
وأضاف أنه بخصوص المحافظة على الحرفة، تم تنزيل وتفعيل برنامج “كنوز بشرية”، وهو برنامج لاتفاقية تم توقيعها مؤخرا مع منظمة اليونيسكو من أجل حماية المهن التقليدية والإهتمام بها، وكذلك من أجل تشجيع الصناع التقليديين للحفاظ على حرفة ﺍﻟﺪﺭﺍﺯﺓ وصونها من الضياع، وكذلك تعليم وتشجيع الشباب للتسجيل ضمن برنامج التكوين بالتدرج المهني في حرفة النسيج.
ورغم صراعها من أجل البقاء، على قيد المنافسة، لا تزال صناعة النسيج “الدرز” بالطريقة القديمة، تحظى باعجاب الكثيرين، ممن تستأثرهم الملابس ذات الطابع التقليدي التي تزيد رونقا وجمالية متأصلة.