بعد أن مرت الانتخابات بمختلف طقوسها المسطرة قانونا التي رافقتها وشابتها سلوكات البعض من الذين لايستطيعون العيش بالديموقراطية المعرفة حقوقيا ودستوريا والمنظر لها عبر تاريخ تطورها من إدعاء اعتمادها للتحكم، إلى خدمة طبقة معينة، إلى ديموقراطية الدولة والشعب والمؤسسات.
ومن المعمول به لعقلنة قرار تحريك المسؤولين في العديد من القطاعات كل أربع سنوات أو أكثر، أن توضع ضوابط موازية تحقق الاهداف المتوخاة منها في الواقع، مما يجعلنا نجدد طرح الأسئلة الأصلية ونضع أخرى جديدة بناء على قراءة أولية لحصيلة هذه العملية وقيمتها المضافة في علاقة بالحكامة والعدالة والنجاعة والفعالية، فما قصد المشرع بعمليات التنقيل؟ وما التأثير المرتقب حصوله عندما لايقع التغيير ويخلد المسؤول لسنوات مضافة في السلطة؟ وما تقييم الادارات المركزية للحركة الإنتقالية الايجابيات والسلبيات ؟ وما مدى تطبيق المسؤولين لكل ما نص عليه الدستور والقوانين في ارتباط بدولة المؤسسات و الديموقراطية والحكامة ومفهوم القرب والإدارة المواطنة؟ وما هي انعكاساتها سلبا على استقرار عائلي واجتماعي ونفسي لأسر رجال ونساء السلطة والادرات المختلفة بمختلف الرتب والقصد هنا من كانت زوجاتهم موظفات أو أزواجهن موظفون يصطدمون بصعوبة وامتناع تحقق الالتحاق بالزوج أو الزوجة، ويسري الأمر على من عندهم أبناء في سن التمدرس بالتعليم الابتدائي وحتى الجامعي، ؟؟
فكما أن الحكومة ملزمة بتوفير ظروف عمل مشرفة ولائقة لكل الموظفين والموظفات في مختلف القطاعات العمومية والتدخل لحماية المستخدمين وشغيلة المؤسسات شبه عمومية وحتى القطاع الخاص، فالأمر يعتبر أكثر دقة وإثارة للانتباه فيما يتعلق بوزارة الداخلية التي يعتبر الولاة والعمال التابعين لها وظيفيا وهم في نفس الآن منسقين ومندوبين ممثلين للحكومة وكل قطاعاتها في مختلف عمالات الوطن الذين يخضعون إداريا في مجال اختصاصهم لرقابة وتوجيهات وتأطير العمال، وبطبيعة الحال كل من يعمل معهم وتحت إمرتهم بالأقاليم والدوائر والجماعات، وفي هذا السياق جاء بالفصل 145 من الدستور:(يمثل ولاة الجهات وعمال الأقاليم والعمالات، السلطة المركزية في الجماعات الترابية – يعمل الولاة والعمال، باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية – يساعد الولاة والعمال رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية – يقوم الولاة والعمال، تحت سلطة الوزراء المعنيين، بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية، ويسهرون على حسن سيرها.)
إن واجب التحفظ عند رجال السلطة من العمال والباشوات ورؤساء الدوائر والقواد والخلفاء يفرض عليهم أن يكونوا على مسافة واضحة وشفافة من الجميع وخاصة الاحزاب والاعيان والشخصيات ورجال الاعمال وجمعيات المجتمع المدني والمنتخبين والمنتخبات الذين منهم من يعتقد بأنهم يمتلكون نفوذا وامتيازا بانتمائهم السياسي وعلاقاتهم بمسؤولين وطنيين أو بغناهم وثرواتهم..إلخ، كما قد يستنتج المتتبعون والمتتبعات من الرأي العام والبعض من العامة أنهم كالسلطة تبعا لمتانة علاقاتهم بها، وهذاالانطباع الدال على غياب الوعي بالقانون والتشريعات في هذا الباب يوقع في المحظور بمخالفة ما تنص عليه القواعد الحقوقية العالمية والتي ينص عليها دستور المغرب بشكل واضح وصريح بأن الناس سواسية أمام القانون وأن الإدارة والسلطة والعلاقات الإدارية أفقيا وعموديا وقطاعيا في خدمة الشعب أفرادا وجماعات ومنظمات بعيدا عن البيروقراطية والمحسوبية، وتجنب كل ما يولد لدى الناس تدمرا بتشكل استنتاجات وأحكام سلبية وتحفظات من الادارات بسبب طرق تعامل البعض بها، إن من المفروض على الجميع احترام المواطنين والمواطنات بغض النظر عن لغتهم و منطقتهم و هيئاتهم ومظهرهم و وظيفتهم وانتماءاتهم الحزبية ومستواهم الاجتماعي ..إلخ، وهنا نذكر باللفتة اللطيفة والحكيمة التي جعلت إدارة الأمن الوطني تلغي المهنة من البطاقة الوطنية.
إن الدستور يسعى للتشبع من مصادره التي منها المرجعية الدينية بروح مضمون المأثور في الحديث النبوي :(أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى) رواه الإمام أَحمد، والتقوى في الإدراة والسياسة تتجلى بتطبيق دستوري في علاقة برقابة الله على الانسان، وبتأطير من القواعد الاخلاقية والانسانية والحقوقية للإسلام وبالمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب لنسج وبناء ثقافة إدارية راقية ومتحضرة ومؤنسنة غير متحيزة ولا مفرطة في ضوابط الحكامة والعدالة التي تتحقق بها المصالحة بين المواطنين والمواطنات والادارات وبتكامل مساير ومواكب لموضوعات وخدمات وعلاقات الارتفاق.
وفي ارتباط بجوهر الموضوع ولضمان انسجام تكاملي بين آلية تدبير مدة زمن مكوث رجال ونساء السلطة في أماكن التعيين والحكمة من ذلك فإن من نافلة القول لنجاح حركة تنقيل رجال ونساء السلطة ولتكون إيجابية وعملية تحقق مبادئ وأهداف إعتمادها أن تنفذ قبل الاستحقاقات بسنة على الأقل وتكون مدة استقرارهم بعدد سنوات الولاية الانتخابية أي 6 سنوات، لتجنب افتراض حدوث أي انحياز كان واضحا أو خفيا لجهة أو شخص بتداخل وتآلف وتعاطف مع سنوات العمل بالتواصل واللقاءات المتكررة بمقر العمل والاجتماعات والمقاهي والمنازل..، وهذا قد يمس بواجب التحفظ من جهتين: المواطن والمسؤول، ورجل السلطة، إن نسج العلاقات الانسانية يجب أن تكون مع الجميع وواجب التحفظ يقتضي أن لايترتب على تلك العلاقات مصالح وأفعال تجعل العامة يظنون أن صديق السلطة ورفيقها منهم !!، أو كما كان يروج في سنوات الحبو بديموقراطية الجرعة جرعة هذا تريده السلطة لأنه معها وذاك لاتريده.
ويجمل الحديث الذي روته عائشة (ض) شطر المقالة، قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل شيء لم يقل: ما بالُ فلانٍ يقول؟ ولكن يقول: ما بالُ أقوامٍ يقولون كذا وكذا)،) رواه أبو داود وصححه الألباني. وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « مَن ا اسْتُخْلِفَ خَلِيفَة إِلاَّ لَهُ بِطَانَتَانِ بِطَانَةة تَأْمُرُهُ بِالْخَيْرِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّه »ُ. أخرجه أحمد و”البُخَارِي”