محمد بن سليمان الروداني، عالم موسوعي، ولد بتارودانت سنة 1037هـ/1628م وتلقى مبادئ العلوم بها، ثم خرج منها في وقت مبكر من حياته مغاضبا بلا إذن والديه في ظروف عصيبة من تاريخ المدينة طبعتها الحروب والفتن والدسائس السياسية وتوالي سنوات الجفاف والأوبئة.
أخذ العلم على كبار شيوخ مراكش ودرعة وسجلماسة وتادلا، من أبرزهم أحمد المريد المراكشي ومحمد بن سعيد المرغتي وعيسى بن عبد الرحمن السكتاني ومحمد بن ناصر الدرعي ومحمد بن الحسن التادسي، ثم رحل لفاس ليستكمل زاده في العلوم العقلية، وفيها لقي الشيخ محمد بن محمد بن عبد الله مَعْن الأندلسي الذي وجهه للاهتمام بالعلوم الشرعية وأمره بالرجوع إلى تارودانت لاسترضاء والديه.
قال الحضيكي في طبقاته: (فرجع إلى والديه حتى طابت قلوبهما وأذنا له في السفر).
وفي رحلته الثانية التي ودع فيها بلدته تارودانت الوداع الأخير اتجه إلى مراكش حيث جدد اللقاء بشيخه السكتاني قبل وفاته بسنة واحدة، ومنها غادر المغرب لطلب العلم حيث أخذ عن علماء الجزائر وتونس ومصر قبل أن يحج ويستوطن المدينة المشرفة.
برع الروداني في العلوم الشرعية والكونية وكان له فيهما صيت ذائع شهد به تلامذته ومعاصروه مما ينم عن شخصيته الموسوعية وعلمه الغزير.
يقول عنه الأستاذ محمد بن الحسن الحجوي في كتابه الفكر السامي: (نزيل الحرمين الإمام الجليل المحدث المتفنن في كل علم كان بوقته، بل فرد الدنيا في العلوم، المالك لمجهولها ومعلومها).
ويقول تلميذه أبو سالم العياشي الذي لازمه سنة كاملة بالمدينة المنورة: (ومن ألطف ما أبدعه وأدق ما صنعه وأجل ما اخترعه، الآلة الجامعة النافعة في علمي التوقيت والهيئة، ولم يُسبق إلى مثلها، ولا حاذى أحدا على شكلها، ابتكرها بفكره الفائق وصنعه الرائق).
ولما شاع ذكر هذه الآلة عند الناس – يقول العياشي – تنافسوا في اقتنائها، ولا يقدر أحد على إتقانها إلا هو، فكان يبيع الآلة منها بثمن غال، وطلبت منه بيع واحدة فأبى البيع ووهبها لي جزاه الله خيرا.
وقد كان أبو سالم العياشي أول من أدخلها إلى المغرب واستعملها بعد ذلك ابن عمه عبد الله العياشي في الزاوية الحمزاوية لتحقيق القبلة وتصحيح محراب مسجدها.
توفي المترجَم رحمه الله مغتربا في دمشق في شهر ذي القعدة سنة 1094هـ/1683م.