سور تارودانت من المنشآت والتحصينات الدفاعية التي ترجع إلى العهد المرابطي، فقد وردت إشارة عند ابن الزيات في معرض ترجمته لأبي محمد بن واندلوس، أن سورا يحيط بالمدينة وقد انهدم جزء منه قبل أن يخرج (سيدي وسيدي) من تارودانت بسبب حادثة كسر خوابي عصير السكر (أنزير) حيث عاقبه أبوه وسجنه لمدة في البيت، ومعلوم أن سيدي وسيدي الذي التقى ابن الزيات في مراكش ولد بتارودانت في غضون السنوات الأخيرة من الصراع المرابطي الموحدي.
إلا أن سور تارودانت عرف تطورا ملحوظا مع مجيء السعديين، فقد عمل السلطان محمد الشيخ السعدي على تجديد بناء السور، كما أشرف على عمليات البناء بنفسه حتى حُكي عنه أن كان يخاطب البنائين بقوله: (حصنوا على أولادكم يا مشؤومين) تحريضا لهم على الجد والمثابرة في تحصين المدينة تحصينا محكما.
يقول مارمول كاربخال الأسير الإسباني أيام السعديين: (ومنذ أن بويع الشريف محمد ملكا على سوس، أصلح أسوار المدينة والقصر، وشيد فيها قلاعا جديدة).
وقد بقي سور المدينة محط عناية السلاطين والحكام الذين خصصوا له أحباسا تعرف بـ (أحباس السور) وتعهدوه بالصيانة والترميم في فترات متعاقبة من التاريخ، كلما أصابه الخراب بسبب الكوارث الطبيعية والحروب والفتن والحصارات وهجومات القبائل.
ففي سنة 972هـ/1564م حبس السلطان عبد الله الغالب السعدي خَراج الحافر على الأبواب لإصلاح سور المدينة والقصبة في رسالة جوابية إلى أعيان المدينة الذين طلبوا منه آنذاك التدخل لإصلاح السور.
وخلال الأحداث التي مرت على تارودانت بعد السلطان مولاي إسماعيل تهدم السور في أماكن عدة في الشرق والجنوب والشمال، مما جعل أبناء مولاي إسماعيل المتعاقبين على ولاية تارودانت يهتمون بترميم السور وإعادته إلى سابق عهده، بدءً بالأمير مولاي زيدان بن مولاي إسماعيل، الذي كان أول من قام بترميم ما تهدم منه في أحداث ثورة أحمد بن محرز ومحمد الحران، وفي أثناء حصاره لأخيه محمد العالم، وشاع بين الناس أن مولاي زيدان هو الذي بنى السور، وذكر ذلك المختار السوسي، اعتمادا على الروايات الشفوية التي تلقاها من بعض عدول المدينة يوم زارها في الأربعينيات من القرن الماضي، وذلك ليس بشيء.
وفي سنة 1258هـ/1842م أصدر السلطان مولاي عبد الرحمن العلوي ظهيرا تُخصص بموجبه أعشار تارودانت لإصلاح السور هذا نصه: (كتابنا هذا أسماه الله وأعز أمره، وجعل في الصالحات طيه ونشره، يتعرف منه بحول الله وقوته، وشامل يمنه ومنته، أننا جعلنا أعشار مدينة تارودانت في مقابلة إصلاح سورها، وقصرناها على ذلك، بحيث لا تُصْرف إلا فيه، وجعلناها على ذلك حبساً مؤبداً، ووقفا مخلداً، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين، ومن بدل أو غير فالله حسيبه وسائله، وولي الانتقام منه، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)، صدر به أمرنا المعتز بالله تعالى، في21 قعدة الحرام، عام 1258هـ).
وتجدر الإشارة أن سور تارودانت بُني بالتراب المخلوط بالجير ودعمت أساساته بالحصي، يتخذ شكل مخمس تتخلله أبواب وأبراج، يبلغ محيطه تقريبا 7250 مترا، وارتفاعه يتراوح بين سبعة وتسعة أمتار، ويحيط بمساحة إجمالية قدرها 430000 مترا مربعا.
والملاحظ أن هندسة السور الحقيقية التي تبرزها الصور القديمة ويرويها كبار السن، تتكون من ثلاثة أجزاء، الجدار الدفاعي وممر الحراس وممر الدوريات، مما يعطي صلابة قوية للأسوار وقاعدة عريضة تصل إلى ستة أمتار، ولعل هذه المكونات مزيج بين السور القديم، والسور الحديث الذي بناه السعديون زيادة في تحصين المدينة سيما بعد ظهور الأسلحة النارية.
وقد تم تصنيف سور تارودانت تراثا وطنيا مرتبا بموجب ظهير بتاريخ 7 شتنبر 1931م (ج.ر، رقم 988 في 2 أكتوبر 1931م)