عبد الرحمن بن محمد التمنارتي، يكنى بأبي زيد، ولد بقرية تمنارت بالأطلس الصغير وبها حفظ القرآن الكريم وتلقى مبادئ العلوم الدينية في كنف أسرة مشهورة بالعلم والصلاح، دخل إلى مدينة تارودانت عام 992هـ/1584م وقضى فيها حياته طالبا متعلما، ثم عالما مدرسا، وقاضيا مفتيا، وبها بنى داره قبلة الجامع الكبير فكانت كما رأى في مرائيه من أن داره ستكون فسيحة بمستوى رحب وواسع.
قال عنه الحضيكي: (كان رضي الله عنه رجلا محبا للصالحين، حسن النية فيهم، شديد الحب في الله، كثير المدح للمصطفى صلى الله عليه وسلم، وله توسلات وقصائد وأمداح كثيرة).
أخذ التمنارتي العلم عن شيوخ عصره الذين ترجم لهم في فهرسته (الفوائد الجمة في إسناد علوم الأمة)، من أبرزهم والده محمد بن أحمد، والإمام المحدث أحمد بن محمد التلمساني، والفقيه القاضي سعيد بن علي الهوزالي، والأستاذ موسى بن أحمد التودماوي، وغيرهم من كبار علماء سوس.
تصدر لمهمة التدريس بالجامع الكبير، حيث كان يدرس التفسير والحديث والفقه والأصول والعقائد، ويحضر مجالسه الفقهاء والطلبة النابهين، فكان ممن أخذ عنه ولداه أحمد ومحمد، وأبو عبد الله محمد بن سعيد المرغيتي، وأبو علي الحسن اليوسي الذي اعتبره أعلم عالم وجده بتارودانت.
تولى قضاء الجماعة أزيد من ثلاثين سنة حتى غلب عليه وصف قاضي تارودانت، وصار يعرف به أكثر مما يعرف به غيره ممن تعاقبوا على قضائها، وقد ذكر في فوائده أنه ولي قضاء المدينة تحت أيدي ثلاثة أمراء، كما تنبأ له بذلك شيخه أبو عمران موسى بن أحمد التودماوي في أول دخوله لمدينة تارودانت.
يقول التمنارتي: (ومن عجيب الاتفاق أني تكرر علي ثلاث مرات في منامي أني تبعت شيخنا القاضي سيدي سعيد رحمه الله في طريقه، أضع قدمي حيث يضع قدمه .. وهو يمشي مشي تؤدة، فوليت القضاء بعده تحت يد ثلاثة أمراء).
يخبرنا الدكتور اليزيد الراضي محقق (الفوائد الجمة) أن هؤلاء الأمراء هم:
-الأمير يحيى الحاحي الذي استقل بتارودانت وما حولها من الجهة الشمالية أيام زيدان السعدي؛
-الأمير أبو العباس أحمد بن محمد الذي بويع بالإمارة عام 1035هـ/1626م بعد موت عمه يحيى الحاحي بخمسة عشر يوما؛
-الأمير أبو حسون السملالي الذي استولى على تارودانت عام 1039هـ/1630م.
ومما ذكره التمنارتي لما أسند إليه الأمير يحيى الحاحي خطة القضاء بتارودانت ويُعد ذلك من مناقبه قوله: (قدمني لقضائها، فوجدت قاعدتها تارودانت قد دَثرت محاسنها، وغلب على عذبها آسنها، معكوسة الرجاء من سائر الأرجاء، معطلة الأحباس عن سائر الأجناس، وكسد بها سوق العلم والفضل، ونفق سوق الغي والجهل، وسعيت في رم داثرها، وأعملت وجوه التصرف في تعمير غامرها، حتى بهج جمالها وعاد إليها كمالها ..).
ويذكر أنه حدث خلاف بين التمنارتي والأمير يحيى بشأن الأحباس الموكولة إلى نظر القاضي، وقد رغب الأمير في الاستعانة بها لتقوية جيشه، فلم يوافقه التمنارتي على ذلك مما أدى إلى عزله.
يقول التمنارتي في الفوائد: (فقدَّم عليها طالبا مسرفا فأتلفها وعادت لقلتها في نحو سنتين، ورجعت تلك المحاسن إلى دثورها، ونسجت عليها عناكب الإهمال بستورها).
ولما ولي الأمير أبو حسون السملالي أمر سوس يقول التمنارتي: (قدمني للقضاء بها أيضا، فأعادها الله سيرتها الأولى، ورد عليه طريقتها المثلى، وقعدت على منصة علاها، وترفلت في بهجة حلاها).
توفي المترجَم رحمه الله بتارودانت في شهر شوال سنة 1060هـ/1650م