نتساءل بدءا ذي بدء بلا مساحق تجميل وتمويه ولا بلاغة تسفيه: كيف أصبحت مدينة تارودانت تثير شفقة كل زوارها العالمين بماضيها ؟ من الذي أوصلها إلى حالة تدمي القلب وتدمع العين ؟ أما كان من السهل الحفاظ على بعض رونقها كي تظل شامخة بتاريخها ومعالمها ؟ كيف أصبحت تقارن ببعض القرى النموذجية والمدن حديثة العهد وهي التي كانت تتخذ لقرون مثالا للتحضر والعمران؟
إن الناظر لأحوال المدينة اليوم، بدءا من مداخلها إلى مخارجها، مرورا بأحيائها وأزقتها وساحاتها، سيلمح جليا مناظر تثير الكآبة وتدلل على التهميش واللامبالاة في التسيير والتدبير ونجملها كالآتي لمن له ذرة إيمان ومثقال غيرة:
ـ نمو أحياء بين ليلة وضحاها بلا تصاميم مسبقة؛ فسيفساء رديئة من المباني العشوائية والطرق الضيقة، ونمثل لذلك بحي بوتاريالت وطامزطاوت ومولات الناس، ومناطق أخرى.
أما عن التجزئات السكنية فهي لا تخرج عن كونها تجمعات سكنية تفتقر لشروط التمدن، من حدائق ومستوصفات وملاعب رياضية، أما ما يسمى بسطاح المدينة أو المدينة الحديثة فالصناديق الإسمنتية أو ما يسمى بشقق العمران التي رصع بها مدخله وعدم توحيد واجهات الشارع الرئيس ورداءة اسفلت بعض الأزقة والروائح الكريهة التي تنبع من مطرح المدينة ما هي إلا وجه من أوجه العشوائية في التخطيط والتسيير للمدينة الحديثة!!!.
– انتشار الباعة الجائلين في المدينة: ليس عيبا أن تزخر المدينة بالباعة الجائلين فهم يحققون نوعا من التوازن الاقتصادي ولكن أن ينتشر هؤلاء الباعة في كل المراكز الحيوية وشبه الحيوية وخاصة التاريخية والتي تفتقر في الأصل إلى مواقف للسيارات مع ما يخلفه هؤلاء الباعة من قمامات وازدحام ونمثل لذلك بشارع محمد الخامس بباب تارغونت ذي المساحة الضيقة وتالمقلات وجنان الجامع وبنيارة وفرق الأحباب والجامع الكبير…
– إهمال المباني التاريخية: وهذه وصمة عار لكل المتدخلين في تسيير المدينة، إذ كيف يعجز المجلس المنتخب والسلطات عن حماية بعض المباني التاريخية على قلتها وصغر مساحتها من المخربين والمتسكعين، حتى غذت مراحيض منتنة تعافها العين والنفس، كمدخل باب تارغونت، وباب السلسلة، وجنبات الأسوار، بل حتى بعض جنبات المساجد لم تسلم من العبث فغذت موقفا للسيارات والعربات كمدخل الزاوية التجانية التاريخية ومسجد فرق الأحباب.
– تغيير هوية الأسواق التقليدية وغزو محلات الملابس العصرية والبضائع الصينية، فأين المحلاتها من مسمياتها: الخرازة / العطارة / دريبة الصوف / الجوالقية هذا مع الاستثناء، أما عن السوق المركزي جنان الجامع فالحديث عنه وعن مرافقه ومسجده الذي بني في وسط حيز الدواجن حديث ذو شجون، وحسبي أن العشوائية التي يتخبط فيها راجعة أيضا للجمعيات المسيرة المتعاقبة عليه وليس فقط للمجالس المنتخبة والسلطات، أما عن الرحبة، التي يطل عليها مسجد زاوية عبد القادر الجيلالي فقد غدت “البراكة” فيها محلا تجاريا قائما، وما تبقى منها شغلته عربات الباعة الجائلين أقصد عربات الباعة المقيمين، وغير بعيد عن الرحبة نخرج لساحة أسراك الساحة الرسمية للمدينة بكراسي مقاهيها التي تشغل حيزا كبيرا منها وبأشجار الفيكس وبنافورتها المتهالكة والتي أصبحت إرثا لاحضاريا يدل على حقبة من تسيير المدينة العشوائي.
– انتشار المطاعم في كل مكان والترخيص لها: المدينة غذت مطعما كبيرا، في باب تارغونت مطاعم، في ساحة أسراك مطاعم، في تالمقلات مطاعم، في مدخل جنان الجامع، مطاعم في فرق الأحباب، مطاعم في طريق الجديدة، مطاعم في البلاليع، مطاعم في مدخل المعديات مطاعم، هل المدينة مطعم كبير أما كان للمدينة أن تنظم مجاليا حتى يغذو للزائر ؟؟؟
– عودة محلات بيع الأسماك لأزقة المدينة وشوارعها: عوض السهر على تدبير السوق المركزي للسمك وإجبار الباعة على الإلتزام بدفتر التحملات والبحث عن حلول لمشاكل القطاع، تم إهماله مما عجل بعودة أرباب السمك إلى فتح محلاتهم في جل أحياء المدينة بدءا بسيدي بلقاس وانتهاء بالمعديات، لتقريب الخدمة من المواطن ولكن على حساب بعض الساكنة ممن يتأففون ويشتكون من الروائح التي تصدرها عادة مثل هذه المحلات خاصة في الصيف،
لنتساءل لماذا أغلق سوق بيع الأسماك الذي رصدت له مبالغ محترمة؟ ومن المسؤول عن منح مثل هذه التراخيص لفتح هذه المحلات التي شكلت في الماضي المشكل ذاته عندما كانت متمركزة في حي سيدي وسيدي؟ ومن المستفيد من هذا الخلل؟
– غياب الفضاءات الخضراء داخل وخارج المدينة: إذا كانت السواقي تباد منذ تسعينات القرن الماضي بسبب ادعاءات كالجفاف أو توسعة المدينة، هذه السواقي التي كانت محصنة لمساحات خضراء وحقول داخل المدينة وخارجها، فاليوم نشهد إهمالا للمساحات الخضراء كحديقة ابراهيم الروداني التي تموت بعض أشجارها التاريخية والمعترفة بها من طرف اليونسكو، وبعض الرقع التي لا تكلف إلا حاوية ماء، مما جعل المدينة اليوم تختنق صيفا وأناسها يقطعون عشرات الكيلومترات بل المئات للبحث عن متنزهات أو عن خضرة فقط ليروون بها عيونهم ويملؤون رئاتهم بهوائها النقي.
هذه فقط بعض ملامح شحوب المدينة، يقتسم مسؤوليتها منتخب غير مسؤول، وناخب جهول اختار مصيره بيده مستفيدا من هشاشة الوضع أو منتظرا حلم مدينة كالمدن أو يائسا لما يشاهده من غياب المسؤولين وسوء التدبير.
بقلم: منير المنيري أستاذ وفاعل جمعوي وحقوقي.