نظم مركز تامسولت للبحث والحفاظ على التراث المحلي المخطوط بتارودانت، مؤخرا، بأحد فضاءات مدينة تارودانت، لقاء علميا، حول موضوع “الوثائق العائلية وأهميتها في تثمين الذاكرة وصون التراث اللامادي”، وذلك بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 “ايض ايناير”.
وأتاح هذا اللقاء العلمي، المنظم بتنسيق مع جمعية تارگا لتنمية مستدامة، الفرصة أمام المشاركين لتقاسم الوثائق العائلية وأهميتها في تثمين الذاكرة وصون التراث اللامادي، وكذا تحفيز الأسر المغربية على إشراك الوثائق العائلية مع الباحثين والأكاديميين من مختلف التخصصات العلمية، وذلك قصد انتشالها من الضياع، واستثمارها في صون وتثمين الموروث الحضاري المغربي في تجلياته المختلفة.
وأكد المشاركون في هذا اللقاء، أن الوثائق العائلية تكتنز ثروة حقيقية من المعلومات والمعطيات التي من شأنها أن تساعد على فهم أفضل للهوية المغربية التي بات من المؤكد أنها تعرف صيرورة متواصلة، وليست بالثابتة.
وتم خلال هذه الندوة تقديم شهادات وبراهين دامغة على الأهمية القصوى التي تتمتع بها الوثائق العائلية المخطوطة، كما هو الشأن بالنسبة لوثائق أسرة أيت مهدي، المنتسبة لقبيلة “هركيتة” في الأطلس الكبير الغربي (إقليم تارودانت)، إلى جانب الوثائق المتوفرة لدة القائمين على المدرسة العلمية العتيقة “تامسولت” في المنطقة ذاتها.
وفي هذا السياق، تم الكشف على إقدام رجل مسن ينتسب لقبيلة “هركيتة” يدعى “دا مبارك” في يوليوز 2024 على مبادرة غاية في النبل والرقي الحضاري، حيث سلم ذخيرة حقيقية من الوثائق العائلية، عبارة عن ثلاث أكياس(تيسكراس) تضم الآلاف من الوثائق المخطوطة، الشاهدة على مجريات ووقائع تعود إلى قرون خلت، إلى من هم في اعتبار “ذوي الحقوق”.
ومن حسن الحظ أن هذه الثروة الوثائقية التي كانت بين يدي “دا مبارك” الأمينة، تحولت إلى أيادي أمينة أخرى في “مركز تامسولت للبحث والحفاظ على التراث المحلي المخطوط” الذي يشرف عليه الأستاذ الباحث الدكتور الحبيب ايت بونصر، و”جمعية تاركا لتنمية مستدامة” التي تضم نخبة من الأساتذة الباحثين والفاعلين في مجال التنمية المستدامة من ضمنهم، الباحث السوسيولوجي محمد مهدي، والأستاذ محمد تميم.
وقد قامت الهيئتان بعمل جبار تمثل في فرز هذه الثروة من المخطوطات، التي تخص عائلات استوطنت الأطلس الكبير الغربي منذ قرون خلت، بما يلزم من الرفق والعناية، وتصنيفها، وفهرستها، ثم تصويرها بالماسح الضوئي ( سكانير)، ليتم تقديمها في معرض نظم بالمناسبة، إلى جانب الوثائق المخطوطة الأصلية.
ويعتبر هذا العمل الجبار الذي قامت به الجمعية والمركز في تعاملهما مع هذه الثروة الوثائقية حسا متقدما في طريقة التعامل مع الوثائق المخطوطة، يتمثل في رقمنة هذه المخطوطات لتسهيل عملية وضعها رهن إشارة الباحثين، وكل من يريد الإطلاع عليها أو الانتفاع منها.
وعلاوة عن ذلك، فإن هذا العمل الباهر يكتسي بعدا استباقيا، ذلك أن رقمنة التراث المغربي، يشكل أحد أهم الأهداف المسطرة في مشروع قانون رقم 22 ـ 33 المتعلق بحماية التراث، والذي يهدف إلى ملائمة القوانين المغربية مع الإجراءات السارية في هذا المجال على الصعيد العالمي، لاسيما منها القوانين الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “يونسكو”.