تارودانت.. انتشار متزايد ومخيف لظاهرة القمار غير القانوني أو ما يعرف بـ ”الترياش”

تارودانت.. انتشار متزايد ومخيف لظاهرة القمار غير القانوني أو ما يعرف بـ ”الترياش”

يشهد إقليم تارودانت، الذي يعتبر من أكبر الأقاليم المغربية بما يضمه من 89 جماعة، أغلبها قروية، انتشارا متزايدا لظاهرة القمار غير القانوني، أو ما يعرف بـ”الترياش”. هذه الظاهرة لم تعد مقتصرة على الأماكن المعزولة أو المناطق الهامشية، بل أصبحت مشهدا مألوفا في محلات تجارية قرب مؤسسات عمومية، وحتى في مقاه شعبية على طول الطرق الوطنية والثانوية، مما يثير تساؤلات حول غياب الرقابة وانتشار هذا النشاط المخالف للقانون.

تشكل أجهزة “الرياشة” التي تشغل بشكل سري أو علني خطرا اجتماعيا واقتصاديا، إذ تستنزف جيوب الفئات الهشة وتفاقم من مشكلات الإدمان والتفكك الأسري. وبينما تواصل الظاهرة تمددها في عدد من دوائر الإقليم، تتعالى أصوات المواطنين مطالبة بتدخل حازم من السلطات للحد من هذه الأنشطة التي تهدد النسيج الاجتماعي وتسيء لصورة إقليم تارودانت.

يعد إقليم تارودانت من أكبر الأقاليم المغربية، بمساحة شاسعة تبلغ 16,500 كيلومتر مربع، هذا الامتداد الجغرافي الكبير، الذي يضم 89 جماعة، جعل من تدبير شؤون الإقليم تحديا كبيرا أمام السلطات المحلية والمنتخبين، إذ تعاني مناطق واسعة من التهميش وغياب التنمية.

هذه المعطيات دفعت فعاليات مجتمعية وسياسية إلى المطالبة بتقسيم الإقليم إلى إقليمين أو ثلاثة، بهدف تحسين التدبير الإداري وتقريب الخدمات من المواطنين، من بإنشاء إدارية إقليمية ومديريات قطاعية تعنى بتنمية المناطق القروية والجبلية.

وفي ظل هذه الأوضاع، تتفشى ظاهرة القمار غير القانوني أو ما يعرف بـ”الترياش”، إذ انتشرت منذ 2015 بشكل سري، بدايةً من مقاه في أحياء شعبية بإيت إعزة وأولاد برحيل وأولوز وتالوين، قبل أن تغزو أغلب جماعات الإقليم. هذه الآلات التي تغري مدمنيها بالربح السريع، أدخلت عائلات بأكملها في دوامة من المآسي، حيث تسببت في تشرد أسر وانزلاقها نحو التسول بعد استنزاف مواردها اليومية.

اللاهثون وراء السراب

في ظل البحث المستمر عن الربح السريع، أصبحت ألعاب القمار غير القانونية، المعروفة بالرياشة، واحدة من أكثر الأنشطة ربحا في المغرب لأصحاب المحلات والمقاهي، إذ تحقق أرباحا خيالية تصل إلى مئات الملايين من الدراهم شهريا، هذه الأجهزة المنتشرة في العديد من المقاهي والمحلات التجارية، تحقق كل واحدة منها ما لا يقل عن ثلاثة آلاف درهم يوميا، مما يجعل أرباحها اليومية تتضاعف مع زيادة عدد الآلات.

المشكلة تكمن في أن الدولة لا تستفيد من أي جزء من هذه الأرباح، سواء على شكل ضرائب أو أي أشكال أخرى من العوائد المالية. ومع تزايد أعداد هذه الآلات في الأحياء الشعبية، أصبحت تجذب الفئات الهشة، مثل القاصرين والشباب، الذين يسعون وراء الفوز السريع. ويلهثون وراء السراب، ولكن هذا الربح المؤقت سرعان ما يتحول إلى إدمان مدمر، حيث يدفع اللاعبين إلى التسول أو السرقة لتوفير مبلغ مالي من أجل اللعب، وفي بعض الحالات، يصبح القمار مدخلا لإدمان المخدرات، مما يزيد من تعقيد المشكلة، إذ يقامر اللاعب بمبلغ يتراوح بين خمسة دراهم و20 درهما من أجل ربح 100 درهم إلى 200.

“الرياشة”، رغم شكلها البريء الذي يشبه ألعاب الفيديو، أصبحت رمزا للفقر والإفلاس، حيث يعكف اللاعبون على وضع ما لديهم من مال في محاولة لتحقيق ربح سريع، دون إدراك العواقب الاجتماعية والمادية المدمرة.

فخ الإدمان

عندما يدخل الشخص عالم القمار، يظن للوهلة الأولى أنه سيحقق ربحا سريعا يخلصه من مشاكله المالية، لكنه سرعان ما يجد نفسه في دائرة مغلقة من الخسائر المتلاحقة، فيسعى دائما لتعويض ما فقده، كلما خسر، وزادت رغبته في الربح، ليغرق أكثر في الديون والمشاكل النفسية والاجتماعية.

ويتحول المقامر من شخص يسعى وراء المال السهل إلى مدمن على اللعبة نفسها. فمهما كانت الأرباح التي يحققها، لا يستطيع الابتعاد عن المقامرة، مما يجعله ينزلق من الرفاهية إلى الفقر دون قدرة على التوقف، وتتحول العملية من رغبة في الربح إلى إدمان مزمن، إذ يصير الهدف هو الاستمرار في اللعب بغض النظر عن العواقب، والتوتر المستمر وفقدان المعنى الحقيقي للحياة والسعادة، حيث يصبح كل همه الحصول على المال للمقامرة، فيغرق في حلقة من الخيبات التي تزيد من معاناته النفسية والاجتماعية.

يظهر القمار غير القانوني أنه ليس مجرد لعبة حظ، بل فخ يقود الأشخاص إلى الإدمان، ويؤدي إلى تداعيات مدمرة على كافة جوانب حياتهم، مما يوجب اتخاذ خطوات جادة لمكافحة هذه الظاهرة.

مجهودات مكثفة

في خطوة جادة لمكافحة ظاهرة القمار غير القانوني، باشرت مصالح الدرك الملكي في إقليم تارودانت والسلطات المحلية حملة موسعة على مقاهي القمار، التي انتشرت بشكل لافت في العديد من الجماعات القروية، هذه الحملة، التي جاءت بعد تزايد شكايات السكان من فوضى المقاهي وتداعياتها السلبية، استهدفت بشكل خاص آلات القمار المنتشرة في المقاهي والمحلات التجارية، وأسفرت عن حجز مجموعة من الأدوات والمعدات التي تستخدم في الترويج لهذه الألعاب المحظورة.

الحملة لم تقتصر على الحجز فقط، بل تم اقتياد بعض أصحاب المقاهي وبعض معاونيهم إلى مقر المراكز الترابية للدرك الملكي للتحقيق معهم. ووفقا للمصادر المحلية، فإن العمليات الأمنية ستتسع لتشمل العديد من الجماعات في الإقليم، في ظل الانتشار المتزايد لهذه المقاهي، التي تثير العديد من المشاكل الاجتماعية، وتتسبب في إشعال خلافات بين المقامرين، التي غالبا ما تتحول إلى اشتباكات عنيفة، مما يزعج راحة السكان.

ومن جهة أخرى، تعتبر هذه المقاهي مركزا لترويج المخدرات، حيث يتوافد عليها مدمنو القمار والمخدرات، بالإضافة إلى العديد من المجرمين المتورطين في قضايا الاتجار بالمخدرات والاعتداءات. ويبدو أن هذه الأماكن أصبحت ملاذا للأنشطة غير القانونية، مما يستدعي تكثيف الحملات الأمنية لردع هذه الظاهرة، التي تهدد الأمن الاجتماعي.

المصدر جريدة الصباح
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
How to whitelist website on AdBlocker?

How to whitelist website on AdBlocker?

  1. 1 Click on the AdBlock Plus icon on the top right corner of your browser
  2. 2 Click on "Enabled on this site" from the AdBlock Plus option
  3. 3 Refresh the page and start browsing the site